سورة الحج - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض} حثٌّ لهم أن يُسافروا ليرَوا مصارع المهلَكين فيعتبروا وهمُ وإنْ كانُوا قد سافروا فيها ولكنَّهم حيث لم يُسافروا للاعتبارِ جُعلوا غيرَ مسافرين فحثُّوا على ذلك. والفاءُ لعطفِ ما بعدها على مقدَّرٍ يقتضيه أي أغفِلُوا فلم يسيروا فيها {فَتَكُونَ لَهُمْ} بسبب ما شاهدُوه من موادِّ الاعتبار ومظانِّ الاستبصار {قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} يجب أنْ يُعقل من التَّوحيدِ {أَوْ ءَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} ما يجبُ أنْ يُسمع من الوحيِ أو من أخبارِ الأُممِ المُهلَكة ممَّن يُجاورهم من النَّاسِ فإنَّهم أعرف منهم بحالِهم {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} الضَّميرُ للقصَّةِ أو مبهمٌ يفسِّرُه الأبصارُ. وفي تعمى ضمير راجعٌ إليه وقد أقيم الظَّاهرُ مُقامَه {ولكن تعمى القلوب التى فِى الصدور} أي ليس الخللُ في مشاعرِهم وإنَّما هو في عقولِهم باتِّباع الهَوَى والانهماكِ في الغَفْلةِ. وذكر الصُّدورِ للتَّأكيدِ ونفيِ تَوهُّمِ التَّجوزِ وفضل التَّنبيه على أنَّ العَمَى الحقيقيَّ ليس المتعارف الذي يختصُّ بالبصر، قيل: لمَّا نزل قوله تعالى: {وَمَن كَانَ فِى هذه أعمى} قال ابنُ أُمِّ مكتومٍ: يا رسولَ الله، أنا في الدُّنيا أعمى أفأكونُ في الآخرةِ أعمى؟
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب} كانوا منكرين لمجيءِ العذابِ المتوعَّدِ به أشدَّ الإنكارِ وإنَّما كانوا يستعجلون به استهزاءً برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتعجيزاً له على زعمِهم فحَكَى عنهم ذلك بطريقِ التَّخطئةِ والاستنكارِ فقوله تعالى: {وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ} إمَّا جملةٌ حاليَّةٌ جيء بها لبيانِ بُطلانِ إنكارِهم لمجيئه في ضمن استعجالِهم به وإظهار خطئِهم فيه كأنَّه قيل: كيف يُنكرون مجيءَ العذابِ الموعود والحالُ أنَّه تعالى لا يُخلف وعدَه أبداً وقد سبق الوعدُ فلا بُدَّ من مجيئِه حتماً أو اعتراضيةٌ مبنيَّةٌ لمَا ذُكر. وقولُه تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} جملة مستأنفة إنْ كانت الأُولى حاليَّةً ومعطوفةٌ عليها إنْ كانتْ اعتراضيةً سيقت لبيان خطئِهم في الاستعجال المذكورِ ببيان كمال سَعةِ ساحةِ حلمه تعالى ووقاره وإظهار غاية ضيق عطنِهم المستتبع لكون المُدَّة القصيرةِ عنده تعالى مُدداً طوالاً عندهم حسبما ينطقُ به قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} ولذلك يرَون مجيئَه بعيداً ويتَّخذونه ذريعةً إلى إنكاره ويجترئون على الاستعجالِ به ولا يدرون أنَّ معيار تقدير الأمور كلِّها وقوعاً وأخباراً ما عنده تعالى من المقدار. وقراءة يعدّون على صيغة الغَيبة أي يعده المستعجلون أوفقُ لهذا المعنى وقد جعل الخطابُ في القراءةِ المشهورة لهم أيضاً بطريقِ الالتفاتِ لكن الظَّاهرُ أنَّه للرسولِ عليه السَّلامُ ومن معه من المؤمنينَ، وقيل: المرادُ بوعدِه تعالى ما جعل لهلاك كلِّ أُمَّةٍ من موعد معيَّنٍ وأجل مسمَّى كما في قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءهُمُ العذاب}
فتكون الجملةُ الأُولى حالية كانتْ أو اعتراضيةً مبيِّنة لبطلانِ الاستعجالِ به ببيان استحالةِ مجيئِه قبل وقته الموعود والجملةُ الأخيرةُ بياناً لبطلانه ببيانِ ابتناء على استطالةِ ما هو قصير عنده تعالى على الوجهِ الذي مرَّ بيانُه فلا يكون في النَّظمِ الكريمِ حينئذٍ تعرُّضٌ لإنكارِهم الذي دسُّوه تحت الاستعجال بل يكون الجوابُ مبنيًّا على ظاهر مقالِهم ويكتفى في ردِّ إنكارِهم ببيان عاقبةِ من قبلهم من أمثالِهم. هذا وحملُ المستعجَلِ به على عذاب الآخرة وجعلُ اليَّومِ عبارةً عن يوم العذابِ المستطال لشدَّتِه أو عن أيام الآخرةِ الطَّويلةِ حقيقةً أو المُستطالة لشدَّةِ عذابها ممَّا لا يُساعده سباقُ النَّظمِ الجليلِ ولا سياقُه فإنَّ كُلاًّ منهما ناطقٌ بأنَّ المرادَ هو العذابُ الدُّنيويُّ وأن الزَّمانَ الممتدُّ هو الذي مرَّ عليهم قبل حلولِه بطريق الإملالِ لا الزَّمانُ المقارن له ألا يُرَى إلى قوله تعالى: {وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ} الخ، فإنه كما سلف من قوله تعالى: {فَأمْلَيْتُ للكافرين ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} صريحٌ في أنَّ المراد هو الأخذُ العاجلُ الشَّديدُ بعد الإملاء المديدِ أي وكم من أهلِ قريةٍ فحُذف المضافُ وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه في الإعرابِ ورجع الضَّمائرِ والأحكامِ مبالغةً في التَّعميمِ والتَّهويلِ {أَمْلَيْتُ لَهَا} كما أمليتُ لهؤلاء حتَّى أنكرُوا مجيء ما وُعدوا من العذابِ واستعجلُوا به استهزاءً برسلِهم كما فعلَ هؤلأَ {وَهِىَ ظالمة} جملةٌ حاليَّةٌ مفيدةٌ لكمال حلمِه تعالى ومشعرةٌ بطريق التَّعريضِ بظلم المستعجلينَ أي أمليتُ لها والحالُ أنَّها ظالمةٌ مستوجِبةٌ لتعجيل العقوبةِ كدأبِ هؤلاءِ {ثُمَّ أَخَذْتُهَا} بالعذاب والنَّكالِ بعد طول الإملاءِ والإمهالِ وقولُه تعالى: {وَإِلَىَّ المصير} اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لما قبله ومصرِّحٌ بما أفاده ذلك بطريقِ التَّعريضِ من أنَّ مالَ أمر المُستعجلين أيضاً ما ذُكر من الأخذِ الوبيلِ أي إلى حُكمي مرجعُ الكُلِّ جميعاً لا إلى أحدٍ غيري لا استقلالاً ولا شركة فأفعلُ ممَّا يليقُ بأعمالِهم.
{قُلْ ياأيها الناس إِنَّمَا أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أنذركم إنذاراً بيِّناً بما أُوحي من أنباء الأمم المهلكة من غير أن يكونَ لي دخل في إتيانِ ما تُوعدونه من العذاب حتَّى تستعجلوني به والاقتصارُ على الإنذارِ مع بيان حالِ الفريقين بعدَه لما أُشير إليه من أنَّ مساقَ الحديث للمشركين وعقابِهم وإنَّما ذُكر المؤمنون وثوابُهم زيادةً في غيظهم.


{فالذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لما ندرَ منهم من الذُّنوبِ {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} هي الجنَّةُ. والكريمُ من كلِّ نوع ما يجمعُ فضائلَه ويحوزُ كمالاتِه.
{والذين سَعَوْاْ فِى ءاياتنا معاجزين} أي سابقين أو مُسابقين في زعمِهم وتقديرهم طامعين أنَّ كيدَهم للإسلام يتمُّ لهم. وأصلُه من عاجزَهُ وعجزَه فأعجزَه إذا سابقَه فسبقَه لأنَّ كُلاًّ من المتسابقينَ يريدُ إعجازَ الآخرِ عن اللَّحاق بهِ. وقرئ: {مُعجزين} أي مُثبِّطينَ النَّاسَ عن الإيمان على أنَّه حالٌ مقدَّرةٌ {أولئك} الموصوفون بما ذُكر من السَّعيِ والمُعاجزة {أصحاب الجحيم} أي ملازمُوا النَّارَ المُوقدةِ، وقيل: هو اسم دَرْكةٍ من دَرَكاتِها.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ} الرَّسولُ من بعثه الله تعالى بشريعةٍ جديدةٍ يدعُو النَّاسَ إليها، والنَّبيُّ يعمُّه ومَن بعثه لتقريرِ شريعةٍ سابقةٍ كأنبياءِ بني إسرائيلَ الذين كانُوا بين موسى وعيسى عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ ولذلك شَبَّه عليه السَّلامُ علماءَ أُمَّتِه بهم. فالنَّبيُّ أعمُّ من الرَّسول، ويدلُّ عليه أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ سُئل عن الأنبياءِ فقال: «مائةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرونَ ألفاً» قيل: فكم الرَّسولُ منهم؟ فقال: «ثلاثمائةٌ وثلاثةَ عشرَ جَمًّا غفيراً». وقيل: الرَّسولُ من جمعَ إلى المعجزةِ كتاباً منزَّلاً عليه، والنَّبيُّ غيرُ الرَّسولِ من لا كتابَ له. وقيل: الرَّسولُ من يأتيهِ المَلَكُ بالوحيِ، والنَّبيُّ يقال لَه ولمن يُوحى إليهِ في المنامِ {إِلاَّ إِذَا تمنى} أي هيَّأ في نفسِه ما يهواه {أَلْقَى الشيطان فِى أُمْنِيَّتِهِ} في تشهِّيه ما يُوجب اشتغالَه بالدُّنيا كما قال عليه السَّلامُ: «وإنَّه ليُغانُ على قَلبي فأستغفرُ الله في اليَّومِ سبعينَ مَرَّة» {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِى الشيطان} فيُبطله ويذهبُ به بعصمتِه عن الرُّكونِ إليه وإرشادِه إلى ما يُزيحه {ثُمَّ يُحْكِمُ الله ءاياته} أي يُثبت آياتِه الدَّاعية إلى الاستغراق في شؤون الحقِّ. وصيغةُ المضارع في الفعلينِ للدِّلالةِ على الاستمرار التَّجدُّدي. وإظهارُ الجلالة في موقعِ الإضمارِ لزيادةِ التَّقريرِ والإيذانِ بأنَّ الأُلوهيَّةَ من موجباتِ أحكامِ آياتِه الباهرةِ {والله عَلِيمٌ} مبالغٌ في العلمِ بكلِّ ما من شأنِه أنْ يُعلم ومن جُملتِه ما صدرَ عن العبادِ من قولٍ وفعلٍ عمداً أو خطأ {حَكِيمٌ} في كلِّ ما يفعلُ. والإظهارُ هاهنا أيضاً لما ذُكر مع ما فيه من تأكيد استقلالِ الاعتراضِ التَّذييليِّ، قيل: حدَّث نفسَه بزوال المسكنةِ فنزلتْ، وقيل: تمنَّى لحرصِه على إيمان قومِه أنْ ينزل عليه ما يُقرِّبهم إليه واستمرَّ به ذلك حتَّى كان في ناديهم فنزلتْ عليه سورةُ النَّجم فأخذَ يقرؤها فلمَّا بلغَ ومناةَ الثَّالثةَ الأُخرى وسوسَ إليه الشَّيطانُ حتَّى سبق لسانُه سهواً إلى أنْ قال تلكَ الغرانيقُ العُلا وإنَّ شفاعتهنَّ لتُرتجى ففرح به المشركون حتَّى شايعُوه بالسُّجودِ لمَّا سجدَ في آخرِها بحيث لم يبقَ في المسجد مؤمنٌ ولا مشركٌ إلاَّ سجد ثم نبَّهه جَبريل عليه السلام فاغتمَّ به فعزَّاه الله عزَّ وجلَّ بهذه الآيةِ وهو مردودٌ عند المحقِّقين ولئن صحَّ فابتلاءٌ يتميَّز به الثَّابتُ على الإيمانِ عن المتزلزلِ فيه، وقيل: تمنَّى بمعنى قرأ كقوله:
تمنَّى كتابَ الله أوَّلَ ليلة *** تمنِّيَ داودَ الزَّبورَ على رسلِ
وأمنيَّتُه قراءتُه وإلقاءُ الشَّيطانِ فيها أنْ يتكلَّم بذلك رافعاً صوتَه بحيثُ ظنَّ السَّامعون أنَّه من قراءة النَّبيِّ عليه السَّلامُ وقد رُدَّ بأنه أيضاً يخلُّ بالوثوقِ بالقُرآنِ ولا يندفعُ بقولِه تعالى: {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِى الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله ءاياته} لأنَّه أيضاً يحتملُه، وفي الآيةِ دلالةٌ على جوازِ السَّهو من الأنبياءِ عليهم السلام وتطرق الوسوسةِ إليهم.


{لّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشيطان} علَّة لما يُنبىء عنه ما ذُكر من إلقاءِ الشَّيطان من تمكينه تعالى إيَّاهُ من ذلك في حقِّ النبيِّ عليه السلام خاصَّة كما يعرب عنه سياقُ النَّظمِ الكريم لما أنَّ تمكينَه تعالى إيَّاهُ من الإلقاء في حقِّ سائر الأنبياء عليهم السَّلامُ لا يمكن تعليلُه بما سيأتي وفيه دلالةٌ على أنَّ ما يُلقيه أمر ظاهرٌ يعرفه المحقُّ والمبطل {فِتْنَةً لّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي شكٌّ ونفاق كما في قوله تعالى: {فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} الآيةَ {والقاسية قُلُوبُهُمْ} أي المشركين {وَإِنَّ الظالمين} أي الفريقينِ المذكورينِ، فوضعُ الظَّاهرِ موضعَ ضميرهم تسجيلاً عليهم بالظُّلمِ مع ما وُصفوا به من المرض والقساوةِ {لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ} أي عداوةٍ شديدةٍ ومخالفةٍ تامَّةٍ، ووصفُ الشِّقاقِ بالبُعد مع أنَّ الموصوفَ به حقيقةٌ هو معروضة للمبالغةِ والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله.
{وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم أَنَّهُ} أي القرآنَ {الحق مِن رَّبّكَ} أي هو الحقُّ النَّازل من عنده تعالى، وقيل: ليعلمُوا أنَّ تمكينَ الشَّيطانِ من الإلقاءِ هو الحقُّ المتضمنُ للحكمةِ البالغة والغايةِ الجميلةِ لأنَّه ممَّا جرتْ به عادتُه في جنس الإنس من لَدُن آدمَ عليه السلام فحينئذٍ لا حاجة إلى تخصيصِ التَّمكينِ فيما سبق بالإلقاءِ في حقِّه عليه السَّلامُ لكن يأباه قولُه تعالى: {فَيُؤْمِنُواْ بِهِ} أي بالقرآنِ أي يثبتوا على الإيمانِ به أو يزدادوا إيماناً بردِّ ما يُلقي الشَّيطانُ {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} بالانقياد والخشية والإذعانِ لما فيه من الأوامرِ والنَّواهي، ورجعُ الضَّميرِ لا سيَّما الثَّاني إلى تمكينِ الشَّيطانِ من الإلقاء ممَّا لا وجه له {وَإِنَّ الله لَهَادِ الذين ءَامَنُواْ} أي في الأمورِ الدِّينيةِ خُصوصاً في المداحض والمشكلاتِ التي من جُملتها ما ذكر {إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} هو النَّظرُ الصحيحُ الموصل إلى الحقِّ الصَّريحِ والجملةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ لما قبله.
{وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِى مِرْيَةٍ} أي في شكَ وجدال {مِنْهُ} أي من القرآن وقيل: من الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم والأَوَّلُ هو الأظهرُ بشهادة ما سبقَ من قوله تعالى: {ثُمَّ يُحْكِمُ الله ءاياته} وقوله تعالى: {أَنَّهُ الحق مِن رَّبّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ} وما لحقَ من قوله تعالى: {وَكَذَّبُواْ بئاياتنا} وأمَّا تجويزُ كون الضَّميرِ لما ألقى الشَّيطانُ في أمنيَّتِه فممَّا لا مساغ له لأنَّ ذلك ليس من هَنَاتِهم التي تستمرُّ إلى الأمدِ المذكورِ بل إنَّما هي مريتُهم في شأن القُرآن ولا يُجدي حملُ مِن على السَّببيةِ دون الابتدائيَّةِ لما أنَّ مريتهم المستمرَّةَ كما أنَّها ليست مبتدأةً من ذلك ليست ناشئةً منه ضرورةَ أنَّها مستمرَّة منهم من لَدُن نزول القرآن الكريم.
{حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة} أي القيامةُ نفسُها كما يُؤذن قوله تعالى: {بَغْتَةً} أي فجأةً فإنَّها الموصوفةُ بالإتيان كذلك لا أشراطُها وقيل: الموت {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} أي يومٌ لا يومَ بعده كأنَّ كلَّ يوم يلدُ ما بعده من الأيَّامِ فما لا يومَ بعده يكون عقيماً.
والمرادُ به السَّاعةُ أيضاً كأنَّه قيل: أو يأتيَهم عذابُها فوضع ذلك موضعَ ضميرِها لمزيد التَّهويلِ ولا سبيل إلى حمل السَّاعةِ على أشراطِها لما عرفتَه. وأمَّا ما قيل من أنَّ المراد يومُ حربٍ يُقتلون فيه كيومِ بدرٍ سُمِّي به لأنَّ أولاد النِّساء يُقتلون فيه فيصِرْن كأنهنَّ عُقُمٌ لم يلدن أو لأنَّ المقاتلين أبناءُ الحرب فإذا قُتلوا صارتْ عقيماً أي ثَكْلى فوصف اليَّومُ بوصفها اتِّساعاً أو لأنَّه لا خيرَ لهم فيه ومنه الرِّيحُ العقيمُ لما لم يُنشىء مطراً ولم يلقح شَجراً أو لأنَّه لا مثلَ له لقتال الملائكةِ عليهم السَّلامُ فيه فممَّا لا يساعده سياقُ النَّظمِ الكريمِ أصلاً كيفَ لا وإنَّ تخصيصَ الملك والتَّصرفِ الكُليِّ فيه بالله عزَّ وجلَّ ثم بيانَ ما يقع فيه من حكمِه تعالى بين الفريقينِ بالثَّواب والعذابِ الأُخرويينِ يقضي بأنَّ المرادَ به يومُ القيامةِ قضاءً بيِّناً لا ريبَ فيه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10